هذا ما أتوقعه فى جلسات الأرشاد الأُسرى التى تستغرق عادة نصف يومى ..
فعندما يجلس الزوج أمامى يبدأ على الفور فى إطلاق الصواريخ الموجهة والسهام النارية ، والقنابل العنقودية على زوجته : فهى تستمع لأمها دائماً، وشديدة العناد، مبذرة لحد التهور، مهمله فى تربيتها للأولاد، مسيطرة ومتحكمة فى كل شئ، ” زنانة ” إلى أصعب الحدود، وثرثارة لدرجة ” الصداع ” …
بالمثل عندما تجلس الزوجة، تقابل الهجوم بهجوم لا يقل شراسة وعنف “ فهو أساس النكد فى البيت، بخيل، كسول، يحب النوم، كثير الخروج والسهر، ديكتاتور، لايساعدنى فى أى شئ، ولايفكر إلا فى نفسه ” !!
وهكذا يظن أغلبية الأزواج أن ثلاثة ارباع، إن لم يكن كل مشاكل الزوجية هى بسبب تقصيرات شريكة حياته وعيوبه التى لا تنتهى .. ويظن كذلك أن شريكه ” المخطئ دائماً ” إذا قام بإصلاح عيوبه سوف يتحول زواجه إلى جنة فيحاء ” !!
طلاق بعد ثلاث دقائق
نشرت مجلة امريكا اليوم ” USA Today ” بحثاً عجيباً عن مشاكل الزوجية التى تنتهى بالطلاق .. فى هذا البحث قامت مجموعة من خبراء الزواج Marital Experts بدراسة 124 حالة بدأت بشجار وصل بهم الى طلاق. وقد قام فريق البحث لتسجيل حواراً دقيقاً على شرائط، ثم تفريغه، للدراسة المتعمقة..
وإلى ماذا وصل البحث؟
استنتج العلماء قواعد يمكن خلالها التنبؤ بأن الطلاق قادم فى خلال 3 دقائق من بداية الخلاف والشجار !!
اسمع ما قال الباحث النفسى الشهير بجامعة سياتل واشنطن ، “جون جوتمان ” الدرس الأكبر الذى وصلنا إليه بعد هذا البحث، فهو الأسلوب الذى يبدأ به الزوجان الحوار الذى ينتهى بالشجار .. وهذا الأسلوب هو الهجوم، من خلال نبرات الصوت، وحركات الوجه واليدين، ومتوى الكلام من جرح وإهانة وازدراء وصياح وشتيمة “.
انظر الخشبة (مت 7 : 3)
لسان حال كل زوج يقول ” لو أن شريكى يصلح من حاله لأصبح زواجنا سعيداً ” ومن هذه النظرة السلبية يبدأ عادة معظم الشجار !!
لاتصدق هذا الخداع !!
فالإنسان إذا حاول أن يحسٌن زواجه بدفع شريكه إلى التغيير، فإن طاقاته تُنفق فى الاتجاه الخاطئ ..
ما يجب أن نبدأ به هو عيوبنا الخاصة.
هذه ” الأستراتيجية النفسية الناجحة ” هى ما وصفها رب المجد يسوع فى عظة الجبل الرائعة ” لماذا تنظر القذى الذى فى عين أخيك (لزوجك) دعنى أخرج القذى من عينك وها الخشبة فى عينك؟ يا مرائى اخرج أولاً الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيداً أن تخرج القذى من عين أخيك (زوجك) (مت 7 : 1،5).
قد يرى الزوج أن 99% من المشاكل والعيوب لدى زوجته، وإن 1% فقط لديه !! وهذا الأمر هو حد ذاته خطأ إدراكى .. فعيوب الإنسان الخاصة تضع على عينه حاجزاً يجعله لا يرى إلا عيوب شريك حياته !
وبالإضافة لهذا الخطأ هناك خطأ آخر .. فحساب النسبة بين خطأى وخطأ الآخر هو من قبيل الخداع .. فمن قال أن الذى فى عين أخيك خشبة وأن الذى فى عينك قذى !! كم من مرات اكتشفنا، بعد جلسات الأرشاد العائلى أن الطرف الشاكى هو أكثر خطأ بعدة مرات من الطرف المشكو بحقه !!
ولإيضاح ذلك .. دعنى أسرد عليك هذه القصة الواقعية ..
فقد جاءتنى ذات يوم مدام (…..) تشكو لى من قسوة زوجها وعنفه المستمر، وبخله الذى فاق كل حد، بالإضافة إلى عناده الشديد، وإهماله المستمر لها، واهتمامه الفائق بعمله ..
وأمام هذا الهجوم القاسى، والدموع المتدفقة، والمشاعر المتألمة لا يسع اى إنسان إلا أن يحزن ويتعاطف ويتفاعل لهذه الزوجة المسكينة المقهورة التعيسة !!
لكن … مهلاً فقد تعلمت من خبرة السنين، ومن علم الإرشاد أن أستمع لكل طرف قبل أن أصدر الحكم النهائى .. فانتظرت إلى أن أتى زوجها ” المتكبر ” ، ” المتعجرف ” ، ” المهمل ” الذى يحمل أبشع الصفات وأسوأها – حسب قولها .. فهل تعرف ماذا رأيت؟ رأيت قطاً أليفاً هادئاً، لا أكاد اسمع صوته من الخجل والهدوء .. وبدأ يحكى لى قصته، من وجهة نظره : ” زوجتى تتهمنى بالقسوة والبخل والعنف والإهمال وهى مثال يُدرس فى الأسراف والتبذير وقلة العقل .. أنها تقفز على المال قفزاً، وتقبض عليه بكلتا يديها، ثم لا تهدأ حتى تنفق منه آخر قرش على كل ما تقع عليه عينها. من ملابس وأطعمة وحلى وهدايا .. وهى لاتصنع أى تدبير للمستقبل، حتى أننا نمضى ماتبقى من الشهر نستجدى من الأقارب و العائلة ما يسد رمقنا !!
وهذه التى تتهمنى بالإهمال والأهتمام بالعمل، صاحبة نبرة صوت تتميز بالحدة والعلو حتى أننى فكرت أن أتقدم بها لمسابقة عالمية فى الشجار والشقاق !! فهى لا تكف عن الصياح والنقد والهجوم والشتيمة، حتى ألوذ بالعمل من البيت، ولا أفكر فى الرجوع إلى قواعدى المنزلية، إلا بعد أن تكون قد أفرغت طاقتها فى الشجار وهوايتها فى الصياح مع الأولاد والخادمة والبواب والسائق .. وعندما تنهك قواها، وتشرف على النوم، أتسلل إلى المنزل مرنماً ” نوم الظالمين عبادة ” !!
هل رأيت معادلة ” الخشبة والقذى ” !!
ان مفتاح التحسن فى العائلة يبدأ منك لا من شريك حياتك .. فقد قال الرب يسوع ” أخرج أولاً الخشبة من عينك ” .. ذلك لأنه يعلم انه عندما نهاجم عيوب الآخرين، إنما نحن نبدد الوقت والطاقة فى الطريق الخطأ .. بينما عندما نبدأ بأنفسنا، نشجع شريك الحياة على أن يعترف بخطئه ويصحح من عيوبه.
من الهجوم إلى التشجيع
بدلاً من خطة الهجوم الفاشلة، عليك بخطة لا تخطئ أبداً .. خطة تم اختبارها آلاف المرات وأثبتت نجاحاً منقطع النظير ..
انها خطة التشجيع والتقدير والاعتبار ..
حوٌل طاقة الهجوم السلبية من التقدير والاهتمام .. هون من الخطأ واعط شريك حياتك جرعة ” مكثفة ” من الأحترام والحب، ثم انتظر النتيجة .. ستجد أن هذه الخطة المملؤة بالتقدير سوف تشجعه ليكون أكثر تألقاً فى عينيك، وسيبذل قصارى جهده ليكون عند حسن ظنك..
خطة أبيجابل
أليس هذا ما فعلته الحكيمة ” أبيجابل ” وهى تقنع داود بوجهة نظرها؟ لقد كان داود على رأس جيش يسعى للأنتقام من زوجها الأحمق نابال الذى أهانه وأهان رجاله، ورفض أن يدفع لهم حقوقهم المادية، بعد موسم كامل من حراسة أرضه وأملاكه !!
اتعرف ماذا فعلت أبيجابل؟ لقد وضعت نفسها مكان داود، فقصت عليه بالضبط ما يدور داخله من مشاعر الغضب والثورة، وانحازت تماماً الى وجهة نظره، وقدرت تماماً مشاعره .. اسمع ماذا قالت ” لآيضعن سيدى قلبه على الرجل اللئيم هذا على نابال لأنه كاسمه هو نابال أسمه والحماقة عنده (1صم 25 ” 25) .. ثم أنطلقت أبيجابل تمتدح داود، وتجزل له الثناء كملك كبير لا يصح أن ينتقم لنفسه – لا لأنه أخطأ بل لأنه .. إنه داود، مسيح الرب الذى يضرب المثل للكل بالصفح والعفو عند المقدرة، فهذه شيمة الملوك والرؤساء !! (1صم 25 : 29، 32) هكذا، بدون إساءة أو هجوم أو نقد، وصلت أبيجابل لقلب داود فمال إلى رأيها، وانحاز إلى العقل، وترك الغضب والأنتقام.
هل علمت الآن لماذا تخسر المعارك والمواجهات مع الآخرين؟ إذن تذكر – من اليوم – هذه القاعدة الهامة عندما تحاور شريك حياتك أو صديقك أو رئيسك أو حتى بائع الجرائد !! تذكر كذلك أن تقتنى رغبة فى تقدير وجهة نظر الشخص الآخر، وفى التطٌلع إلى الأشياء من زاويته .. فلو أنك خرجت بهذه الحقيقة وحدها من هذا الكتاب، تكون قد اقتنيت حجر الأساس فى بناء مستقبلك ونجاحك فى الحياة
تغيير النظرة
إذا أردت لبيتك السعادة، ولزوجتك تغيراً حقيقياً، ولقلبك سلاماً فائقاً، فعليك بتغيير نظرتك لشريك حياتك وبالتالى لغتك من الهجوم الى الأحتواء والحب والتقدير والأحترام .. بدلاً من زوجتى كلها أخطاء ” قل ” ” زوجتى رائعة ومميزة” …
تجاوز الأخطاء بلغة الأفضل، لغة الخير والجمال
جرٌب …
جرب هذه النظرة وهذه اللغة وستجد نتائجها الباهرة .. جرب أن تكون نظرتك مثل نظرة الله للإنسان الضعيف المقصر .. نظرة الحب والصبر والاحتواء، وستجد أن هذا الأسلوب هو الأكثر فاعلية، والأسرع تأثيراً ..
لم يبصر اثماً فى يعقوب (عد 23 : 21)
هذه هى نظرة الله للإنسان..
فرغم كل العيوب التى تكلله من هامته الى قدميه، فإن الحب الإلهى لا يرى إلا الجمال والنقاء والبراءة ..
فى اشعياء 1 : 5 ، 6 يصف الله الإنسان بقوله ” كل الرأس مريض وكل القلب سقيم .. من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة !! هذا هو الإنسان فى حقيقته فى طبيعته الساقطة..
لكن فى الحب، فى النعمة، فى الفداء والصليب، ينظر الله للإنسان ويصفه بصفات الكمال ” افتحى يا أختى .. يا كاملتى ” (نش 5 : 2) .. ويكرر نفس المعنى فى قوله ” واحدة هى حمامتى كاملتى ” (نش 6 : 9)
هل تصدق؟!
الله الذى ” ينسب إلى ملائكته حماقة ” (أى 4 : 18)، الذى قال عنه أيوب ” هوذا قديسوه لا يأتمنهم والسموات غير طاهرة أمامه ” (أى 15 : 15) ..
الله فاحص القلوب والكلى (مز 7 : 9)، الذى يعرف حتى السهوات والخطايا المستترة (مز 19 : 12) .. الله الذى يعرف حقيقة الإنسان الخاطئ الساقط، يراه كاملاً بعينى الحب !!
إنه إله الحب الذى ” لم يبصر إثماً فى يعقوب ولا رأى تعبا فى إسرائيل ” (عد 23 : 21) .. إنها عين الحب التى تتغاضى وتصفح وتعذر وتقدر !!
من هو أعمى كالكامل (اش 42 : 19)
هل هناك أعمى كامل ؟! فى نظر الناس، بل وفى نظر نفسه هو شديد النقص والتدنى .. إنه يفتقد أهم حاسة أنعم بها الله على الإنسان .. لكن الله هو الوحيد القادر أن يرى الأعمى كاملاً .. فهو لا ينظر إلى هذا العيب بل يتجاوزه بعين الحب والغفران ليرى الإنسان ذاته !!
من اليوم – إذن – انظر لشريك حياتك مثلما ينظر الله لك .. وإنطلق من نظرة الحب، إلى كلام التعضيد والاحترام .. وبالعكس، فالهجوم والنقد يزيد العنيد عناداً، والقاسى قسوة، وهو حينئذ يقابل الهجوم بالهجوم المضاد، وبدلاً من أن يعترف بخطئه، يحافظ على كرامته المجروحة، ويعاند ليثبت للآخر صدق وجهة نظره.